قال الرازي: اختلفوا في أنه، هل يمكن إثبات أصول العبادات بالقياس، أم لا؟ فقال الجبائي والكرخي: لا يجوز؛ وبنى الكرخي عليه أنه لا يجوز إثبات الصلاة بإيماء الحاجب؛ بالقياس.
واعلم: أن هذا الخلاف يمكن حمله على وجهين:
الأول: أن يقال: (الصلاة بإيماء الحاجب، لو كانت مشروعة، لوجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبينها بيانا شافيا، وينقله أهل التواتر إلينا؛ حتى يصر ذلك معلوما لنا قطعا، فلما لم يكن كذلك، علمنا أن القول بها باطل).
والثاني: أن يقال: (لا ندعي أنها لو كانت مشروعة، لحصل العلم بها يقينا، ولكنا مع ذلك نمنع من استعمال القياس فيه).
أما الأول: فهو باطل بالوتر؛ فإنه واجب عندهم، مع أنه لم يعلم بوجوبه قطعا.
فإن قلت: (إذا جوزت في ذلك ألا يبلغ مبلغ التواتر؛ فلعله- عليه الصلاة والسلام- أوجب صوم شوال، ولم ينقل ذلك بالتواتر.
قلت: المعتمد في نفيه الإجماع.
وأما الثاني: فتحكم محض؛ لأنه إذا جاز الاكتفاء فيه بالظن، فلم لا يكتفي بالقياس؟ ثم إنا نستدل على جوازه بعموم قوله تعالى:{فاعتبروا}[الحشر: ٢] أو بما أنه يفيد ظن الضرر؛ فيكون العمل به واجبا.