لأن النفس لا بد أن تطلب التعليل، فيطلع على السبب الأول، فيعلم حينئذ أن الله- تعالى- كثرنا بعد القلة، وأعزنا بعد الذلة، وأن الإسلام أظهره الله- تعالى- على الدين كله، وصدق ذلك وعده، ونصر عبده، ونتذكر أحوال السلف الصالح من الأنبياء وغيرهم، وما كانوا فيه من الصبر على واردات الحق، وصفات الصدق [وأصفياء] خيار الله- تعالى- فنقتدي بهم، فبسبب بقاء هذه الآثار هو هذا، لاسيما وقد ورد دعاء إبراهيم- عليه- السلام {واجعل لي لسان صدق في الآخرين}[الشعراء: ٨٤].
قال المفسرون: أي ثناء [جميلا]، وهو ما تقدم ذكره وغيره، فلم تبق هذه الأحكام بغير علة، بل خلفت علة علة أخرى في ذلك الحكم.
(قاعدة)
قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): الأحكام أربعة أقسام:
القسم الأول: شرع لبقاء الجنس وجبلته، كالعقود والمعاملات؛ فإن جبلة الإنسان لا تبقى إلا بالطعام، والشراب، واللباس، والمساكن التي تؤي من السباع وأسباب الفساد، وإن خليت هذه الأمور همجا بغير عقود أدى ذلك إلى القتل والقتال، وذهاب النفوس بسبب تجاذب الدواعي كل عين من هذه الأعيان، فيذهب الجنس، وتتولد الأحقاد، وسفك الدماء.
القسم الثاني: شرع لدفع ضرورة الجنس بعد بقائه؛ للضرورة العامة كالسلم، والرهن، والقراض، والمساقاة، والإجارة، فلولاها تحصلت المشتاق العظيمة للخلق.
قال: ومن قال: إنها خلاف القياس، فقد أخطأ وبطل القياس، وإنما هو دفع الحاجة، والحاجة مندفعة بها، فإن أراد أنها على خلاف غيرها من العقود في البيع، وغيره من جهة ما سومح فيها من الغرر والجهالة، فصحيح.