وإن أخذت بأمارة الحرمة، فقد حرمت الفعل عليك؛ فهذا لا يكون إذنا في الفعل والترك مطلقا، بل إباحة في حال، وحظرا في حال أخرى؛ ومثاله في الشرع: أن المسافر مخير بين أن يصلي أربعا فرضا، وبين أن يترك ركعتين، فالركعتان واجبتان، ويجوز تركهما بشرط أن يقصد الترخص.
وأيضا: من أستحق أربعة دراهم على غيره، فقال:(تصدقت عليك بدرهمين، إن قبلت؛ وإن لم تقبل، وأتيت بالأربعة، قبلت الأربعة عن الدين الواجب) فإن شاء قبل الصدقة، وأتى بدرهمين، وإن شاء، أتى بالأربعة عن الواجب، فكذا في مسألتنا، إذا سمع قوله تعالى:{وأن تجمعوا بين الأختين}[النساء: ٢٣] حرم عليه الجمع بين المملوكتين، وإنما يجوز له الجمع، إذا قصد العمل بموجب الدليل الثاني، وهو قوله تعالى:{إلا ما ملكت أيمانكم}[النساء: ٢٤] كما قال عثمان- رضي الله عنه-: (أحلتهما آية، وحرمتهما آية).
سلمنا ذلك؛ لكن هذه الدلالة إنما تتم عند تعارض أمارة الحظر والإباحة، وأما عند تعارض أمارة الحظر والوجوب، إذا قلنا بالتخيير، لم يلزم ترجيح إحداهما على الأخرى؛ فدليلكم على امتناع التعادل غير متناول لكل الصور.
سلمنا فساد القول بالتخيير؛ فلما لا يجوز التساقط؟
قوله:(لأنه عبث) قلنا: لا نسلم؛ ولم لا يجوز أن يقال: إن لله تعالى فيه حكمة خفية لا يطلع عليها.
وأيضا: فهب أن التعادل في نفس الأمر ممتنع؛ لكن لا نزاع في وقوع التعادل؛ بحسب أذهاننا، فإذا جاز ألا يكون التعادل عبثا فلم لا