قال الرازي: الترجيح لا يجري في الأدلة اليقينية؛ لوجهين:
الأول: أن شرط الدليل اليقيني: أن يكون مركبا من مقدمات ضرورية، أو لازما عنها لزوما ضروريا، إما بواسطة واحدة، أو بوسائط شأن كل واحدة منها ذلك، وهذا لا يتأتى إلا عند اجتماع علوم أربعة:
أحدها: العلم الضروري بحقيقة المقدمات؛ إما ابتداء، أو استنادا.
وثانيها: العلم الضروري بصحة تركيبها.
وثالثها: العلم الضروري بلزوم النتيجة عنها.
ورابعها: العلم الضروري بأن ما يلزم عن الضروري لزوما ضروريا، فهو ضروري، فهذه العلوم الأربعة يستحيل حصولها في النقيضين معا؛ وإلا لزم القدح في الضروريات، وهو سفسطة، وإذا استحال ثبوتها، امتنع التعارض.
الثاني: أن الترجيح عبارة عن التقوية، والعلم اليقيني لا يقبل التقوية؛ لأنه إن قارنه احتمال النقيض، ولو على أبعد الوجوه، كان ظنا، لا علما، وإن لم يقارنه ذلك، لم يقبل التقوية.
المسألة الرابعة
اشتهر في الألسنة: أن العقليات لا يجري الترجيح فيها، وهذا فيه تفصيل؛ فإنا إن لم نكلف العوام بتحصيل العلم بالمعتقدات، بل قنعنا منهم بالاعتقاد الجازم على سبيل التقليد لم يمتنع تطرق التقوية إليه.