فتأخر الناقل يقتضي أن المقرر تقدمته أجلاء العقل، ولم تنسخه، ولم يحصل إلا نسخ المبيح الموكد للعقل.
وتأخر المبيح يقتضي رفع المحرم الرافع للبراءة، فيلزم النسخ مرتين.
قوله:(دلالة العقل مفيدة بشرط عدم دليل السمع، وإذا وجد لا يبقى دليل العقل):
قلنا: هذا مشترك في السمع أيضا؛ لأن دلالة كل سمع مشروطة بعدم ورود ناسخه، فزال عند الناسخ؛ لزوال شرطه، فلا يكون نسخا، فإن كان هذا كافيا في عدم النسخ، فهو مشترك.
بل الجواب أن رفع العقل ليس نسخا؛ لأنا نشترط في النسخ رفع الحكم الشرعي.
أما البراءة الأصلية، فرفعا ليس نسخا؛ لأنا لا نعد ورود الشرائع ابتداء نسخا، ولذلك نرفعها بخبر الواحد والقياس، وأيسر الأدلة، بخلاف إذا تقدم.
قوله:(لا يصح رفعه إلا بما يصح النسخ به):
تقريره: أن الخبر المقرر للعقل قد يكون متواترا، أو آية كتابية، فلا يرفعها إلا متواترا؛ لأنا نشترط في الناسخ أن يكون مساويا أو أقوى.
قوله:(إذا ثبت أنه لابد في النفي والإثبات في الخبرين من كون أحدهما عقليا رجع الترجيح إلى ما تقدم من أن الناقل أرجح أم لا):
قلنا: ادعيتم أولا أن الخبرين في النفي والإثبات لابد أن يكون أحدهما عقليا، ولم يتخلص من البيان الذي ذكرتموه إلا أنه عقلي من وجه لا أن موجبه كله عقلي، وإذا كان عقليا من وجه ناقلا من وجه، وهذا قدر المشترك بين الخبرين، فلم يرجع هذا إلى القاعدة من أن الناقل أرجح أم لا؟.