أحدها: أن المناسبة أقوى من الدوران، وقال قوم: الدوران أقوى، وعبروا عن ذلك بأن العلة المطردة المنعكسة أقوى مما لا يكون كذلك.
لنا: أن الوصف إنما يؤثر في الحكم لمناسبته، فالمناسبة علة لعلية العلة، وليس تأثير الوصف في الحكم لدورانه معه؛ لأن الدوران في الحقيقة ليس من لوازم العلية؛ لأن العلة إذا كانت أخص من المعلول كانت العلية متفكة هناك عن الدوران، وقد ينفك الدوران عن العلية؛ كما في الصور التي عددناها في باب الدوران، وإذا كان كذلك، كان الاستدلال بالمناسبة على العلية، أقوى من الاستدلال بالدوران عليها.
احتج المخالف بوجهين:
الأول: أن العلة المطردة المنعكسة أشبه بالعلل العقلية، فتكون أقوى.
الثاني: أنهم أجمعوا على صحة المطرد المنعكس، ومن الناس من أنكر العلة التي لا تكون منعكسة.
والجواب عن الأول: لا نسلم أن العكس واجب في العلل العقلية، وقد بيناه في كتبنا العقلية.
سلمناه؛ لكن لا نسلم أن الأشبه بالعلل العقلية أولى.
وعن الثاني: أن ذلك يقتضي ترجيح المناسب المطرد المنعكس، على المناسب الذي لا يكون مطردًا منعكسًا، ولا نزاع فيه، أما أنا لا نقضي بترجيح الدوران المنفك عن المناسبة، على المناسب المنفك عن الدوران: فلأنه إذا وجد الدوران بدون المناسبة، فقد لا تحصل العلة؛ كرائحة الخمر، مع حرمتها.