وإن كان الثاني: كانت المناسبة أولى؛ لأن المناسبة علة لعلية العلة، وغير المناسبة ليس كذلك؛ فالاستدلال بالمناسبة على العلية أولى، وأما إن كان السبر مظنونًا في بعض المقدمات، مقطوعًا في البعض: عاد الترجيح المذكور في تلك المقدمات المظنونة.
ورابعها: أن المناسبة أقوى من الشبه والطرد، وذلك واضح؛ لا حاجة به إلى الدليل.
فهذا هو الكلام في تراجيح هذه الطرق الستة العقلية؛ بحسب الجنس، ولنتكلم الآن في أنواع كل واحدٍ منها، وفيه مسائل:
المسألة الأولي: ترجيح بعض المناسبات على بعضٍ: إما أن يكون بأمورٍ عائدةٍ إلى ماهياتها، أو بأمورٍ خارجةٍ عنها:
أما القسم الأول: فتقريره أنك قد عرفت أن كون الوصف مناسبًا: إما أن يكون لأجل مصلحة دنيوية، أو دينية: والمصلحة الدنيوية: إما أن تكون في محل الضرورة، أو في محل الحاجة، أو في محل الزينة والتتمة: وظاهر أن لمناسبة التي من باب الضرورة راجحة على التي من باب الحاجة، والتي من باب الحاجة مقدمة على التي من باب الزينة، ثم قد عرفت أن المناسبة التي من باب الضرورة خمسة: وهي مصلحة النفوس، والعقول، والأديان والأموال والأنساب؛ فلابد من بيان كيفية ترجح بعض هذه الأقسام على بعضٍ، ثم عرفت أن الوصف المناسب للحكم قد يكون نوعه مناسبًا لنوع الحكم، وقد يناسب جنسه نوع الحكم، وقد يناسب نوعه جنس الحكم، وقد يناسب جنسه جنس الحكم، ولا شك في تقدم الأول على الثلاثة الأخيرة، والثاني والثالث.