بلفظ غير اللفظ الذي يتكلم به غيرها، ويبعد بعدا شديدا أن هذه الألفاظ اختصت بهذه المسميات من غير واضع، بل طارت مثل العصافير وارتشقت في هذه المسميات، بل الذي يقتضيه حال مذهبه أنه فرع على مذهب من يعتقد أن الحروف مشتملة على الحرارة ولابرودة والرطوبة واليبوسة والخواص الغريبة، وتصلح للمداوة من الأمراض كالعقاقير، ولدفع السموم كالترياقات، وتحدث الأمراض العظيمة إذا استعمل حارها المحررون، وباردها المبرودون، وغير ذلك مما نسبوه لها من الطعوم والخواص العجيبة مما هو مسطور في كبهم مبسوط، فعلى هذا يقول عباد: الواضع حكيم فيضع لكل مسمى من الألفاظ ما يناسبه في مزاجه وتركيبه في كل لغة، وهذا عساه يقرب من العقل.
وأما الاستغناء عن الوضع بالكلية فصعب التصور، وعلى هذا يكون الواضع هو الله تعالى، أو غيره على الخلاف، فيكون قسما مما معه من المذاهب لا قسيما لها، وكلام المُصَنَّف محتمل لجميع ذلك، فإنه إنما قسم الإفادة، والإفادة قد تكون بالذات من غير وضع، كدلاله السواد على الجسم، والعلم على الحياة، وقد يكون بالوضع كاللغات، ويحكى عن بعضهم أنه كان يدعى أنه يعلم المسميات من الأسماء مع الجهل بالوضع، فقيل له: ما تقول في قولنا: ادعاع بالبربية هو اسم أي شيء؟ فقال: أجد فيه يبسا شديدا وأراه اسم الحجر، وهو كذلك عند البربر.
وقوله:" إن دلالة الألفاظ لو كانت ذاتية لما اختلفت باختلاف النواحي ولا اهتدي كل أحد إلى لغة " لا يتم، فإن الشيء إذا كان يقتضي الشيء لذاته قد يكون ذلك الإقتضاء ضروريا كاقتضاء السيف القطع بما فيه من الحدة، وقد يكون نظريا كاقتضاء ماء الهِنْدِبَا تفيتح سدد الكبد، فإنه لا يطلع على