بأنا لا نسلم بأنه - تعالى - وضع على هذه المطالب أدلة قاطعة، ومكن العقلاء من معرفتها، وكيف لا نقول ذلك، ونرى الخلق مختلفين في الأديان والعقائد؛ من زمان وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام-؟.
وإذا نظرنا في أدلة المختلفين في هذه المسائل، وأنصفنا، لم نجد واحدًا منهم مكابرًا قائلاً بما يقطع العقل بفساده.
سلمنا ذلك، لكن لا نسلم أن ذلك يقتضي كونهم مأمورين بالعلم؛ ولم لا يجوز أن يقال: إنهم أمروا بالظن الغالب، سواء كان مطابقًا، أو غير مطابقٍ؟.
وعلى هذا التقدير: يكون الآتي به معذورًا؛ ثم الذي يدل على أن التكليف، لم يقع إلا بالظن الغالب وجهان:
الأول: أن اليقين التام المتولد من الدليل المركب من المقدمات البديهية تركيبًا معلوم الصحة بالبديهة - إن أمكن، فهو عزيز نادر الوجود، لا يفي به إلا الفرد بعد الفرد؛ فلا يجوز أن يكون ذلك تكليفًا لكل الخلق؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - قال (بعثت بالحنيفية السهلة السحمة) وأي حرج فوق أن يكلف الإنسان في الساعة الواحدة معرفة ما عجز الخلق عن معرفته في خمسمائة سنة؟!.
الثاني: أنا كما نعلم بالضرورة: أن الصحابة ما كانوا متبحرين في دقائق الهندسة، والهيئة، والأرثماطيفي، نعلم بالضرورة: أنهم ما كانوا عالمين بهذه الأدلة والدقائق، والجواب عن شبهات الفلاسفة، مع أنه - عليه الصلاة والسلام حكم بصحة إيمانهم؛ فدل ذلك على أن التكاليف ما وقع بالعلم.