وإنما قلنا:(إن الحادث مفتقر إليه) لأن إجماع المسلمين، بل إجماع جمهور العقلاء منعقد عليه، والاستقصاء فيه مذكور في كتابنا المسمى بـ (الخلق والبعث).
وإنما قلنا:(إن المستغنى عن المؤثر راجح بالنسبة إلى المفتقر إليه) لوجهين:
الأول: وهو أن المستغنى عن المؤثر لابد أن يكون الوجود به أولى؛ إذ لو كان الوجود مساويًا للعدم، لاستحال الرجحان إلا بمنفصل، وكان يلزم افتقاره إلى المؤثر؛ لكنا فرضناه مستغنيًا عنه؛ هذا خلف.
فإذن: وجود الباقي راجح على عدمه، وأما الحادث، فليس أحد طرفيه راجحًا على الآخر؛ إذ لو كان راجحًا، لاستحال افتقاره إلى المرجح، وإلا لكان ذلك المرجح مرجحًا لما هو في نفسه مترجح؛ فكان ذلك تحصيلاً للحاصل؛ وهو محال.
فثبت أن الباقي أولى بالوجود، وأن الحادث ليس أولى بالوجود، ولا معنى لظن وجوده إلا اعتقاد أن وجوده أولى؛ فثبت أن الباقي راجح الوجود؛ بالنسبة إلى الحادث.
الثاني: وهو أن الباقي لا يعدم إلا عند وجود المانع، والمفتقر إلى المؤثر كما يعدم عند وجود المانع، فقد يعدم أيضًا عند عدم المقتضى، وما لا يعدم إلا بطريق واحد، يكون أولى بالوجود مما يعدم بطريقين، ولا معنى للظن إلا اعتقاد أنه أولى بالوجود.
وإنما قلنا:(إن العمل بالظن واجب) لقوله -عليه الصلاة والسلام) -: (نحن نحكم بالظاهر).