الأول: قال الكرخى: الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى يقتضى العدول عن الأول، وهذا يلزم عليه أن يكون العدول عن العموم إلى التخصيص، وعن المنسوخ إلى الناسخ -استحسانًا.
الثاني: قال أبو الحسين: (الاستحسان: ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ؛ لوجه أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول).
قال: ولا يلزم عليه العدول عن العموم إلى القياس المخصص؛ لأن العموم لفظ شامل، ولا يلزم عليه أن يكون أقوى القياس استحسانًا؛ لأن الأقوى ليس في حكم الطارئ على الأضعف، فإن كان طارئًا، فهو استحسان.
فإن قلت: فقد قال محمد بن الحسن في غير موضع من كتبه: تركنا الاستحسان؛ للقياس؛ كما لو قرأ آية السجدة في آخر السورة، فالقياس يقتضي أن يجتزئ بالركوع، والاستحسان ألا يجزئ به، بل يسجد لها، ثم إنه قال بالمقياس.
فهذا الاستحسان، إن كان أقوى من القياس، فكيف تركه؟ وإن لم يكن أقوى منه، فقد بطل حدكم):
قلت: ذلك المتروك إنما يسمى استحسانًا؛ لأنه وإن كان الاستحسان وحده أقوى من القياس وحده، لكن اتصل بالقياس شيء آخر، صار ذلك المجموع أقوى من الاستحسان؛ كما في المسألة التي ذكرتموها؛ فإن الله -تعالى -أقام الركوع مقام السجود في قوله تعالى:{وخر راكعًا وأناب}[سورة ص: ٢٤].