والجواب عن أدلة المانعين: أن نقول: أما الوجه الذي تمسكوا به أولاً في امتناع ذلك عقلاً؛ فهو مبني على أن أحكام الله تعالى متفرعة على رعاية المصالح، ونحن لا نقول بهذا الأصل؛ فتلك الوجوه بأسرها ساقطة عنا، ثم إنا نسلم لهم هذا الأصل، ونبين ضعف كل واحد من تلك الوجوه:
أما قوله أولاً:(من أجاز هذا التكليف: إما أن يجعل الاختيار مما تتم به المصلحة، أو يجعل الفعل مصلحة في نفسه، ثم يختاره المكلف):
قلنا: اخترنا القسم الأول.
قوله:(هذا يكون إسقاطًا للتكليف):
قلنا: لا نسلم؛ وذلك لأنه قال للرسول: إن اخترت الفعل، فاحكم على الأمة بالفعل؛ وإن اخترت الترك، فاحكم على الأمة بالترك، فهذا لا يكون إسقاطًا للتكليف، بل يكون مكلفًا بأن يأمر الخلق بمتعلق اختياره.
قوله:(الفعل والترك لا ينفك المكلف عنهما):
قلنا: لكن الحكم على الخلق بالفعل، والحكم عليهم بالترك - قد ينفك عنهما؛ فلم لا يجوز ورود التكليف به؟ ثم يشكل ما ذكروه بالمستفتى، إذا أفتاه مفتيان: أحدهما بالحظر، والآخر بالإباحة: فكل ما يقولونه هناك، فهو قولنا هاهنا. سلمنا فساد هذا القسم؛ فلم لا يجوز القسم الثاني؟.
قوله:(إما أن يكون مأمورًا بذلك في الأفعال الكثيرة، أو القليلة.