فضلاً عن الحكم؛ لأن التعليق قديم أيضًا؛ لأن كما يستحيل علم بغير معلوم، يستحيل أمر بلا مأمور، وإباحة بغير مباح، وتحريم بغير محرم، فالكلام والتعليق قديمان، ولابد في هذا المقام من مراجعة ما تقدم أول الكتاب من أن الله - تعالى - لا يجب عليه خلق العالم، فبخلقه من الجائزات، فعلى تقدير عدم خلق العالم، لا يكون هنالك شرائع، ولا تكاليف ألبتة، فصار كون الأحكام من جملة الكلام النفسي أمرًا جائزًا عليه، لا واجبًا، وهذا الجائز لابد له من مرجح، وهو إرادة الله - تعالى - التي تعلقت بإيجاد العالم، وأنه إذا وجد يكون مكلفًا على الأوضاع المخصوصة.
فينبغي أن يقول: الأصل عدم الحكم، وتعلقه بمعنى أن الأصل ألا يوجد العالم، وألا تتعلق به إرادة التكليف، ولا التكليف بالنظر إلى ذات الحكم، وذات العالم، لا بالنظر إلى تقدم علم سابق يستصحبه؛ فإن لم يتقدم في الأزل عدم الحكم ألبتة، بل هو بالنظر إلى ما يستحقه لذاته الحكم من عدم الاستحقاق.
فعلى هذا الوجه يصح أن يقال: الأصل عدم الحكم، أما يعني أن هنالك عدمًا سابقًا، هو الأصل، فلا.
قوله:(لا يثبت بالأمارة؛ لقوله تعالى:} إن الظن لا يغني من الحق شيئًا {).
قلنا: النص عام في الظن، والحق مطلق فيما فيه يقع العباد؛ فإنه لم ينطق به، فنحن نحمله على قواعد العقائد؛ فإن الظن لا يغني فيها، وإذا عمل بالمطلق في صورة سقط الاستدلال به فيما عداها.
قوله:(ثبوت الحكم لغير مصلحةٍ عبث غير جائز على الحكيم):
قلنا: هذا لا يصح إلا على قاعدة المعتزلة في الحسن، والقبح.