فكان من الواجب عليهم أن يبحثوا عن أحوال رواة اللغات والنحو، وأن يتفحصوا عن أسباب جرحهم وتعديلهم، كما فعلوا ذلك في رواة الأخبار، لكنهم تركوا ذلك بالكلية مع شدة الحاجة إليه فإن اللغة والنحو يجريان مجرى الأصل للاستدلال بالنصوص.
وثالثها: أن رواية الراوي إنما تقبل إذا سلمت من المعارض، وهاهنا روايات دالة على أن هذه اللغة تتطرق إليها الزيادة والنقصان.
أما الزيادة: فلما نقلنا عن رؤبة وأبيه من الزيادات، وكذلك عن الأصمعي والمازني.
وأما النقصان: فلما روى ابن جني بإسناده عن ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: كان الشعر علم قوم، لم يكن لهم علم أصح منه فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم، وغفلت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب في الأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يئولوا فيه إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب، وقد هلك من العرب ما هلك، فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم أكثره.
وروى ابن جني ايضا بإسناده عن يونس بن حبيب، عن أبي عمرو بن العلاء، أنه قال: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير.
قال ابن جني: فهذا ما نراه، وقد روي في معناه كثير؛ وذلك يدل على تنقل الأحوال بهذه اللغة، واعتراض الأحداث عليها، وكثرة تغيرها.