للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلق أجمعون يعلمون ذلك.

فإن قال: يحسن ذلك لتضمن هذه المبتدآت مقاصد أخر في التنبيه على التعظيم في الآية الأولى، أو التسلية في الآية الثانية، فقل في مسألة أن الذاهب جاريته: يجوز إن لاحظنا فيها معنى آخر مع أنه أطلق القول بالمنع، فدل ظاهر كلامه على أن ظاهر المنع لأمر يرجه إلى التركيب، كما يمتنع قولك: رجل في الدار، وزيد كيف؟ ونحو ذلك مع أن السامع لم يحتمل عنده الفهم بهذه التراكيب، وهي ممنوعة عند النحاة، ولم تجزها العرب، فهذا ظاهر لفظه أن المنع لنفس اللفظ لا للسامع، وعلى هذا تنتقض هذه القاعدة بالطم والرم فإنا نقول: إن العشرة خمسة وخمسة، وكل حد مع محدوده، فنقول: الإنسان هو الحيوان الناطق، وكذلك جميع المحدودات.

وبقولنا: الإنسان ناطق، وحكم الله تعالى خطابه، والله ربنا، ومحمد نبينا، ونظائره كثيرة.

وسألت جماعة ممن اجتمعت بهم من الأدباء يقولون: إنما المنع لأجل أن السامع يفهم أنه صاحبها من قولك: جاريته، ولم أجد هذا التفسير ينطبق على كلام أبي على وغيره.

وكيف لم يجد أبو على في القرآن غير قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} [النساء:١٧٦]، فكم في القرآن من جملة يفهمها السامع ولم يتعرض أبو على ولا غيره لها لمنعها، وما من كلام إلا ويصح أن يفهمه سامع دون سامع، فليمنع الكل، أو ليجوز الكل، أو يفصل في الكل.

أما تخصيص هذه المواد بالمنع من غير تفصيل فأجده مشكلا، بل الجواب الصحيح أن اللفظين متى كانا مترادفين على إفادة معنى واحد، ولم يضمر في الثاني صفة زائدة، ولا فائدة لم تحصل من الأول امتنع لنفس اللفظ لا للسامع.

<<  <  ج: ص:  >  >>