محال، والتسلسل في المؤثرات محال، يريد بخلاف التسلسل في الآثار المستقبلة، فإنه ليس محال.
وقد مثله إمام الحرمين بقوله القائل: لا أعطيك درهما إلا وأعطيك بعده درهما آخر؛ فإن العطاء لا يمتنع، ويعطيه بعد كل درهم درهما أبد الآباد، بخلاف ما إذا قال: لا أعطيك درهما حتى أعطيك درهما قبله، فإنه يمتنع الإعطاء حينئذ؛ لأنه تسلسل في الماضي، بخلاف المستقبل، ففرق بين حوادث لا أول لها، وبين حوادث لا نهاية لها، والثاني ممكن اتفاقا، والأول محال عند أهل الحق القائلين بحدوث العالم، جائز عند الفلاسفة القائلين بقدم العالم وتوجيه ما قاله سراج الدين على كلام الإمام أن التأثير إذا كان حادثا افتقر إلى تأثير آخر حادث، فهو تأثير في التأثير، فهو حادث بعد حادث من القسم الجائز فيه التسلسل، وليس كما زعم سراج الدين، بل التأثير إذا كان حادثا افتقر إلى تأثير يتقدم عليه لا يتأخر عنه، فإن التأثير يتقدم على وجود الأثر، فهو يؤول إلى حوادث لا أول لها إلى حوادث لا آخر لها، فتأمله.
ومعنى قوله:(وتقدم النسبة على محلها [ممتنع]، دون المنسوب إليه كالمتقدم) يريد أن التقدم يوصف به المتقدم، وإن لم يوجد المتأخر، فإذا خلق الله- تعالى- جسما قبل وجود العالم بألف سنة صدق عليه حينئذ أنه متقدم على العالم، وإن لم يوجد العالم في تلك الأزمة، فكذلك الخلق جاز أن يتقدم وصفه الخالق، ولا يكون العالم موجودا، فيكون قديما، والعالم حادث، فهذا وجه قوله: ممتنع أي: نحن نمنعه مطلقا، بل قد يجوز تقدم النسبة، وليس كما زعم سراج الدين، فإن النسب على قسمين منها ما لا يوجد إلا مع وجود الطرفين اللذين حصلت بينهما النسبة، كالبنوة والأبوة