في الثانية، وما الدليل على أن التجوز أولا وقع الاعتقاد، ثم إلى اللفظ المصدق، ثم إلى ما ذكرناه؟
ولو قال قائل: هذه مجازات لا يترتب بعضها على بعض، بل كل مجاز على حدة عسر الرد عليه.
الخامس: أن الذي تقتضيه النقول المتقدمة أن يكون إطلاق لفظ الحقيقة على الاعتقاد، واللفظ الصدق والاستعمال حقيقة لغوية، لأن الجميع موجود كما يقال: الجميع شيء وموجود حقيقة إجماعا، وان يصدق الحق على الاعتقاد الباطل واللفظ الكذب، والاستعمال المجازي أيضا التي هي مقابلات تلك الثلاثة؛ لأنها موجودة، فالكفر موجود، والكذب موجود، والمجاز موجود بالضرورة، فإذا كانت الألفاظ الثلاثة مترادفة، واثنان منها حقيقة في الستة، كان الثالث الذي هو الحق كذلك، وهذا ضروري، بل الذي يتلخص في هذه الأمور الثلاثة من المجاز مجاز واحد، وهو التعبير بلفظ الأعم عن الأخص من باب تخصيص بعض مسميات العام بلفظ العام، كتخصيص لفظ الدابة بالحمار، أو الفرس، فإن الوجود قدر مشترك بينهما، فتخصيص بعضها في العرف للفظ دون بعض لا يكون إلا على هذا التجوز، وهو ظاهر جدا، فيكون المجاز واحدا في الجميع، والعلاقة واحدة في الجميع، وهى مابين الخاص والعام من الملابسة، فإن الخاص عارض للعام، فعبر بلفظ العام عنه، وهذا هو الذي يظهر في هذا الموضع، وما عداه لا يقاس على تلك النقول ألبتة.
السادس: أن قوله: (في الرتبة الثالثة) يظهر أنه أراد في الرتبة الثالثة من المجاز، فإن المجاز الأول الاعتقاد المطابق، ثم اللفظ الصدق، ثم الاستعمال، وإذا لاحظت قول التبريزي لم يكن ما قاله في الثالثة؛ بل في الرابعة، فإن اللفظ نقل عن الموجود لنفس الموجود، فيقولون: ذات السواد، ويريدون ذاته لا وجوده للاعتقاد، ثم اللفظ الصدق، ثم الاستعمال، فيصير أربع مراتب في نفس المجاز.