تقريره: أن الشرع لا يعتبر الخبر الكذب في أن يرتب عليه ما يرتبه على الصدق، فمن قال: أنا زنيت بهذه وهو مجبوب لا نحده، أو قال: اليوم سرقت من الهند مالا لا نقطعه ونحو ذلك؛ لأن الأحكام تتبع المصالح والمفاسد، والخبر الكاذب ليس معه مفسدة المخبر عنه، ولا مصلحته، فلا يترتب حكم.
قوله: (الخبر الصدق يتوقف على وجود المخبر عنه).
قلنا: لا نسلم؛ فإن الخبر عن المستقبل صدق، ومخبره لم يوجد بعد، بل ينبغي أن يقول: الخبر الصدق يتوقف على تقرير مخبره في زمانه ماضيا أو حالا أو مستقبلا، فلولا تقرر قيام الساعة لما صح إخبارنا عنها، وكذلك جميع المستقبلات فلفظ التقرر أولى من لفظ الوجود، ثم إنه ينتقض بالخبر عن المستحيلات نحو الخبر عن اجتماع النقيضين، وغيره فإنه إخبار عما لا يقبل الوجود ألبتة، وبالخبر عن عدم العالم وجميع أجزائه، فإن العدم لا يقبل الوجود وإن قبله المعدوم.
قوله:(يلزم الدور).
قلنا: لا نسلم بل هاهنا ثلاثة أمور: الخبر، وتقدير الطالقية قبله بالزمن الفرد، وصدق الخبر، فالواقع في الرتبة الأولى الخبر، ثم تقدر بعد النطق به الطالقية لضرورة التصديق، فيصير صادقا بعد التقدير، فاللفظ متوقف عليه مطلقا، ولم يتوقف على شيء، والصدق متوقف مطلقا، ولم يتوقف عليه شيء، وتقدير الطالقية متوقف عليه، فيتوقف على اللفظ، ويتوقف عليه الصدق، وإذا كان الأمر واقعا على هذا الترتيب بين ثلاثة أشياء فلا دور، إنما الدور بين شيئين يتوقف كل واحد منهما على الآخر توقفا سبقيا احترازاً