وأما أنه لا يجوز أن يحمل على واحد منهما البتة؛ فلأنه على هذا التقدير يكون اللفظ حال تجرده من المهملات، لا من المستعملات، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة، تعين القسم الأول، وهو المطلوب.
وثانيها: أن المجاز لا يتحقق إلا عند نقل اللفظ من شيء إلى شيء، لعلاقة بينهما، وذلك يستدعي أمورا ثلاثة:
وضعه للأصل، ثم نقله إلى الفرع، ثم علة للنقل.
وأما الحقيقة، فإنه يكفي فيها أمر واحد، وهو: وضعه للأصل.
ومن المعلوم أن الذي يتوقف على شيء واحد، أغلب وجودا مما يتوقف على ذلك الشيء، مع شيئين آخرين معه.
وثالثهما: أن واضع اللفظ للمعنى، إنما يضعه له، ليكتفي به في الدلالة عليه، وليستعمل فيه؛ فكأنه قال: إذا سمعتموني أتكلم بهذا الكلام، فاعلموا أنني أعني هذا المعنى؛ وإذا تكلم به متكلم بلغتي، فليعن به هذا.
فكل من تكلم بلغته يجب أن يعني به ذلك المعنى؛ ولهذا يسبق إلى أذهان السامعين ذلك المعنى، دون ما هو مجاز فيه.
ولو قال لنا مثل ذلك في المجاز، لكان حقيقة، ولم يكن مجازا.
ورابعها: إجماع الكل على أن الأصل في الكلام الحقيقة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال:(ما كنت أعرف معنى الفاطر، حتى اختصم إلي شخصان في بئر، فقال أحدهما: فطرها أبي، أي: اخترعها).