ذلك يحصل له أول فكرته وهو الاستتار والإيواء، في البيت، وكل شيء في العالم له هذه الأسباب الأربعة، فالكتاب مادته الورق والحبر، وسببه الفاعل الناسخ، وسببه الصوري هو انتظام حروفه على الصورة المخصومة، فلو كان محيطا لم يحصل المقصود، وغايته حفظ الأسرار فيه والعلوم ليطلع عليها عند حاجتها، ويحفظ عند الغفلة عنها.
والإنسان له أربعة أسباب: النطفة سببه المادي، وما جعله الله - تعالى في الرحم من الحرارة الخاصة، والرطوبة، والكيفية فاعلة في مجارى العادات بقدرة الله تعالى، وصورته الخاصة، وشكله الإلهي، وتوفيق مزاجه، وتهذيب أخلاقه، ورقة طبعه، وشفوف روحانيته هو سببه الصوري، وغايته القيام بأوامر الله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات: ٥٦]. قال ابن عباس- رضي الله عنه-: (لآمرهم بعبادتي)، وكذلك جميع الكائنات على هذا الترتيب في هذه الأسباب الأربعة.
قوله:(مثال التجوز بالسبب الصوري تسميتهم اليد بالقدرة).
وقع في كثير من النسخ هكذا اليد بالقدرة، وهو غلط وصوابه القدرة باليد، فإن الموجود في لسان العرب إطلاق اليد على القدرة، كقوله تعالى:(قل لمن في أيديكم من الأسرى)[الأنفال: ٧٠] أي: في قدرتكم، ... وقوله تعالى:{لما خلقت بيدي}[سورة ص: ٧٥]، أي بقدرتي {ومما عملت أيدينا}[يس: ٧١]، أي قدرتنا، {يد الله فوق أيديهم}[الفتح: ١٠]، أي قدرته محيطة بأيديهم، {وقالت اليهود يد الله مغلولة}[المائدة: ٦٤]، أي: قدرته عاجزة، وكذبوا في ذلك، فالاستقراء دل على استعارة لفظ اليد للقدرة لا لفظ القدرة لليد، ولو