أما عند الوضع فلأن كثيرا من الناس يسمون أولادهم بأمور قارنت ولادتهم، فيسمون رمضان من ولد في رمضان، ومكي من ولد بـ (مكة)، وجمرة وحرب من ولد في زمن الشدائد، وكان كثير من الجاهلين يسمون بذلك، وبضده من قارن مولده الخير: بمفلح، حارث، وصالح، وغير ذلك، والمقارنة أحد أنواع العلاقة، وهي حاصلة هاهنا.
غايته: أن ذلك لم يوجد في كل الأعلام، وكذلك ليس كل أسماء الأجناس يصح التجوز عنها، لعدم العلاقة في بعضها.
وأما بعد الوضع فكقول العرب: زيد زهير شعرا، وحاتم جودا، وعلى شجاعة، وأبو يوسف أبو حنيفة، فالعلم الثاني أبدا مجاز عبر به عن الأول لمشاركته له في نقل الصفة، وهذا متيسر في كل علم شارك غيره في صفة، فظهر أن العلم يدخله المجاز عند الوضع وبعده دخولا بالذات لا بالعرض، مع أن مجاز العرض لا يتصور أبدا كما تقدم بيانه، بل إما مجاز بالذات، وإلا فلا مجاز ألبتة.
قوله:(وأما المشتق فلما لم يتطرق المجاز للمشتق منه، لا يتطرق إلى المشتق منه الذي لا معنى له إلا أنه أمر ما حصل له المشتق منه).
قلنا: المشتق لفظ، وله مسمى، وهو ذات ما قام بها مسمى المشتق منه لا المشتق منه، والمشتق منه: لفظ له مسمى آخر، هو جزء مسمى المشتق منه، فهما لفظان متباينان، ومسمياهما متغايران، ولا يلزم من النطق بأحدهما النطق بالآخر نحو: المريد، والإرادة، والعالم، والعلم، فقد يقول: جدار مريد السقوط، ولا يتلفظ بلفظ الإرادة، فيقول: فلان عالم بصنيع فلان، يريد أنه ظان إياه، أو مجاز له عليه؛ فإن العلم، وما يصرف منه يستعمل في هذين المعنيين مجازا، ولا ينطق بلفظ العلم ألبتة، فيدخل المجاز