واحتج المثبتون بأن العرب لما قالت في المفردات: إنسان على وزن إفعال- بكسر الهمزة- من كلامنا،-وبضمها وفتحها- ليس من كلامنا فحجروا، وأطلقوا.
كذلك قالوا: إن زيدا قائم من كلامنا، وقائم إن زيدا ليس من كلامنا، وإن قائما زيدا ليس من كلامنا، وفي الدار رجل من كلامنا، ورجل في الدار ليس من كلامنا، ورب رجل من كلامنا، ورب زيد ليس من كلامنا، فحجرت، وأطلقت في المركبات، كما حجرت وأطلقت في المفردات، ولا نعني بالوضع إلا ذلك.
إذا تقررت القاعدة فمن قال بأن العرب وضعت المركبات، قال بأنها وضعت كل لفظ ليركب مع ما يناسبه، فيركب لفظ السؤال مع لفظ من يصلح للإجابة، ولفظ الأكل مع الأغذية، والشرب مع الأشربة، فمتى وقع التركيب هكذا، فهو حقيقة لغوية، وإن ركب لفظ الأكل مع المائعات، فيقال: أكلت الماء، أو شربت الخبز، أو ركبت الشدائد، أو اتسعت أخلاقه، أو ضاقت أخلاقه، فهو مجاز لغوي في التركيب، وقد يصحبه المجاز في المفردات، وقد لا يصحبه.
والقائل بأن العرب لم تضع المفردات يقول: المركبات مهملة، والمهمل لا يوصف بكونه حقيقة ولا مجازا لاشتراطه الوضع في الجميع، فالحقيقة: اللفظة المستعملة في موضعها، والمجاز هو: المستعمل في غير موضعه، فاشترطا الوضع في الحقيقة والمجاز، فحيث لا وضع لا حقيقة ولا مجاز، وكما إذا أطلقنا لفظ خنفشار، وأردنا به الحصير، لا يقال: هو حقيقة فيه، ولا مجاز، فيقول هذا القائل بعدم الوضع إذا سمع قوله تعالى (وأخرجت الأرض أثقالها)] الزلزلة: ٢ [، (مما تنبت الأرض)] البقرة: ٦١ [ليس للغة ها هنا مدخل لعدم الوضع، فلم يبق إلا تصرف العقل.