وهو خفي على أكثر الناس، وهو أن من شرط المتردد بين النادر والغالب أن يكون من جنس الغالب لا مباينا له، فالسوسية التي للقصار إن كنا قضينا عليها بالطهارة؛ لكونها سوسية قصار، فالمتردد بين الطهارة والنجاسة، إن كان سوسية قصار قضينا بطهارتها؛ لأنها من جنس ذلك الغالب، فلو كنا إنما قضينا بطهارة تلك السواسي، لا لكونها سوسية قصار، بل لكوننا غسلناها بعد القصارة، وهذه السوسية لم تغسل، فلم نلحقها بالسواسي المقصورة؛ لأن المعنى الذي لأجله قضينا بالطهارة لم يوجد فيها، كذلك ها هنا جميع المجازات الواقعة في اللغة ما قضينا بأنها مجازات، لكونها ألفاظا تحتمل المجاز، والحقيقة، بل لكونها معها قرائن دلت على ذلك، وهذا اللفظ المجرد عن القرينة ليس معه قرينة، فلم يكن من جنس الغالب، بل هذه الصورة لم يوجد منها شيء مجاز البتة، لا غالب ولا نادر، بل هذه حقيقة ليس إلا، وكذلك جميع ما قضينا به من العمومات المخصوصة، لم نقض فيه بالتخصيص، إلا لاقتران المخصص به، وهذا العام المتردد ليس معه مخصص، فليس من جنس العمومات التي وقع فيها التخصيص، فلم يقع لنا عام هكذا مخصوص قط، فلا يلحق بالعمومات المخصوصة، فهذا هو الجواب، وهو وجه الجمع بين القاعدتين.
قوله:(إن قال الواضع: احمل اللفظ إما على هذا أو على ذاك كان اللفظ مشتركا بينهما).
قلنا: هذه العبارة غير كافية في حصول الاشتراك، بل هذه العبارة تناسب المتواطئ أقرب؛ فإن صيغة (أو) إنما تكون في (الحمل) إذا كان اللفظ للقدر المشترك، مع أن اللفظ المشترك لا يصدق عليه أنه يحمل فيه على هذا، أو على هذا، بل الماهية الكلية فقط، لكن كان ينبغي أن يقول: احملوه على ما دلت عليه القرينة، وإن فقدت القرينة فتوقفوا، أما التخيير هكذا فليس في الألفاظ المشتركة.