ونبه في كلامه على شرط في الترجيح بالكثرة، والقلة، وهو أن العلماء قالوا:
ما قلَّت مقدماته يكون أرجح من كثير المقدمات، بشرط أن يكون الأقل بعض الأكثر حذرا من ألا يكون بعضه، فلا يلزم الرجحان، لأن المقدمة الواحدة قد تكون أعسر من مقدمات كثيرة، كما أن أخذ ألف دينار من الكيمياء، أو من السلطان مقدمة واحدة، وتحصيلها بالمتجر يحتاج لمقدمات كثيرة، إلا أن هذه الكثرة أيسر وقوعا من تلك المقدمة النادرة، فلذلك قالوا:" من شرط الترجيح أن يكون الأقل بعض الأكثر"، وقد أشار إليه المصنف بقوله: على سببين آخرين معه.
فرع:
قال (إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة، والمجاز الراجح، تقدم الحقيقة المرجوحة عند أبي حنيفة، والمجاز الراجح عند أبى يوسف).
وقال قوم: يحصل التعارض؛ لأن كل واحد منهما راجح من وجه، ومرجوح من وجه.
وقال في (المعالم): (لا ينصرف لواحد منهما إلا بالنية؛ لأن الحقيقة من جهة أنها حقيقة توجب القوة، ومن جهة أنها مرجوحة توجب الضعف فاستويا).
والحق في هذه المسألة مذهب أبى يوسف؛ لأن كل شيء قدم في الكلام، إنما قدم لرجحانه، والتقدير رجحان المجاز فيقدم، ولذلك قدم عدم الاشتراك عليه، وعدم المجاز عليه، وعدم الإضمار عليه، وسائر ما قدم، إنما قدم لرجحانه.
وأما قول أبي حنيفة:(الحقيقة مقدمة على المجاز) فغير متجه؛ لأنا إنما قدمنا الحقيقة على المجار لرجحانها، والتقدير أن هذه الحقيقة مرجوحة فلا تقدم.