وإلا لزم وقوع الممكن لا عن مرجح، أو افتقاره إلى داعية أخرى، وإلا لزم التسلسل، إذا كانت الداعية مخلوقة لله تعالى، وعند وجود الداعي يجب حصول الفعل، فالله تعالى خلق في الكافر ما يوجب الكفر، فلو أراد في هذه الحالة وجود الإيمان، لزم كونه مريدا للضدين، وذلك باطل بالاتفاق بيننا وبين خصومنا.
فثبت بهذين الوجهين أن الله تعالى ما أراد الإيمان من الكافر، وأما أنه تعالى أمر الكافر بالإيمان فذلك مجمع عليه بين المسلمين.
وإذا ظهرت المقدمتان، ثبت أنه وجد الأمر بدون الإرادة، وإذا ثبت ذلك، ثبت أن حقيقة الأمر مغايرة لحقيقة الإرادة وغير مشروطة بها.
فإن قيل: مالمراد من قولك: أمر الكافر بالإيمان؟
إن أردت به: أنه أنزل لفظا يدل على كونه مريدا لعقابه في الاخرة، إذا لم يصدر منه الإيمان، فهذا مسلم لكن معناه: نفس إدارة العقاب لا غير، فلا يحصل مطلوبكم من أنه أمر بما لم يرد.
وإن عنيت شيئا آخر، فاذكره، سلمنا ذلك، لكن لا نسلم أنه ما أراد الإيمان، ولا نسلم أن إيمانه محال، وسيأتي تقرير هذا المقام في مسألة (تكليف ما لا يطاق).
سلمناه؛ لكن لا نسلم أن المحال غير مراد.
بيانه هو: أن الإرادة من جنس الطلب وإذا جوزت طلبت المحال مع العلم بكونه محالا، فلم لا تجوز إرادته مع العلم بكونه محالا؟
والجواب: قوله: (الأمر بالشيء عبارة عن الإخبار عن إرادته عقاب تاركه).