قلت: لو كان كذلك، لتطرق التصديق والتكذيب إلى قولهك آمنوا، لأن الخبر من شأنه قبول ذلك، ولأن سقوط العقاب جائز، أما عندنا: فبالعفو، وأما عندهم: ففي الصغائر قبل التوبة، وفي الكبائر بعدها، ولو تحقق الخبر عن وقوع العقاب، لما جاز ذلك.
قوله: لم قلت: إن إرادة المحال ممتنعة!؟
قلنا: هذا متفق عليه بيننا وبينكم.
وأيضا: لأن الإرادة صفة من شأنها ترجيح أحد طرفي الجائز على الآخر، وذلك في المحال محال، والعلم به ضروري.
وثانيها: أن الرجل قد يقول لغيره: (إني أريد منك هذا الفعل، لكنني لا آمرك به) ولو كان الأمر هو الإرادة، لكان قوله:(أريد منك الفعل، ولا آمرك به) جاريا مجرى أن يقال: (أريد منك الفعل، ولا أريده منك) وقوله: (آمرك بهذا الفعل، ولا آمرك به) ومعلوم أن ذلك صريح التناقض، دون الأول.
وثالثها: أن الحكيم قد يأمر عبده بشيء في الشاهد، ولا يريد منه أن يأتي بالمأمور به، لإظهار تمرده وسوء أدبه.
فإن قلت: ذلك ليس بأمر، وإنما تصور بصورته!!
قلت: التجربة إنما تحصل بالأمر، فدل على أنه أمر.
ورابعها: أنه سيظهر إن شاء الله تعالى في (باب النسخ) أنه يجوز نسخ ماوجب من الفعل قبل مضى مدة الامتثال، فلو كان الأمر والنهي عبارتين عن الإرادة والكراهة، لزم أن يكون الله تعالى مريدا كارها للفعل الواحد، في الوقت الواحد من الوجه الواحد، وذلك باطل بالاتفاق