وثانيهما: أن الطلب النفساني أمر باطن، فلا بد من الاستدلال عليه بأمر ظاهر، والإرادة أمر باطن مفتقرة إلي المعرف، كافتقار الطلب إليه فلو توقفت دلالة الصيغة على الطلب على تلك الإرادة، لما أمكن الاستدلال بالصيغة على ذلك الطلب ألبتة.
احتج المخالف: بأنا نميز بين ما إذا كانت الصيغة طلبا، وبين ما إذا كانت تهديدا، ولا مميز إلا الإرادة.
والجواب: أنها حقيقة في الطلب، مجاز في التهديد، فكما أن الأصل في كل الألفاظ إجراؤها على حقائقها إلا عند قيام دلالة صارفة، فكذا هاهنا.
المسألة الرابعة: ذهب أبو علي وأبو هشام، إلى أن إرادة المأمور به تؤثر في صيرورة صيغة افعل أمرا، وهذا خطر من وجهين:
الأول: أن الأمرية، لو كانت صفة للصيغة، لكانت: إما أن تكون حاصلة لمجموع الحروف، وهو محال، لأنه لا وجود لذلك المجموع.
وإما لآحداها: فيلزم أن يكون كل واحد من الحروف، التي ائتلفت صيغة الأمر منها، أمرا على الاستقلال، وهو محال.
الثاني: أن صيغة (افعل) دالة بالوضع على معنى، وذلك المعنى هو إرادة المأمور، فإذا كانت الإرادة نفس المدلول، وجب ألا تفيد الصيغة الدالة عليها صفة، قياسا على سائر المسميات والأسماء
المسألة الخامسة: قال جمهور المعتزلة: الآمر يجب أن يكون أعلى رتبة من المأمور، حتى يسمى الطلب أمرًا.