وثانيهما: أن موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقا واجب القبول، مخالفته عبارة عن إنكاره كونه حقا واجب القبول.
سلمنا أن ما ذكرتم يدل على أن مخالفة الأمر عبارة عن ترك مقتضاه لكن هاهنا ما يدل على أنه ليس كذلك.
فإنه لو كان ترك المأمور به عبارة عن مخالفة الأمر لكن ترك المندوب مخالفة لأمر الله تعالى، وذلك باطل، لأن وصف الإنسان بأنه مخالف لأمر الله تعالى اسم ذم، فلا يجوز إطلاقه على تارك المندوب.
سلمنا أن تارك المندوب مخالف للأمر، فلم قلت: إن مخالف الأمر مستحق للعقاب؟
أما قوله تعالى:(فليحذر الدين يخالفون عن أمره)[النور:٦٣] الآية.
قلنا: لا نسلّم أن هذه الآية دالة على أمر من يكون مخالفا للأمر بالحذر، بل هي دالة على الأمر بالحذر عن مخالف الأمر، فلم لا يجوز أن تكون كذلك؟
سلّمنا ذلك، ولكنها دالة على أن المخالف عن الأمر يلزمه الحذر.
فلم قلت: إن مخالف الأمر يلزمه الحذر؟
فإن قلت: لفظة (عن) صلة زائدة، قلت: الأصل في الكلام الاعتبار لا سيما في كلام الله سلّمنا دلالة الآية على أن مخالف الأمر مأمور بالحذر عن العذاب، فلم قلت: يجب عليه الحذر عن العذاب؟