ولا شك أن إفضاء المنع من الترك إلي الوجود أكثر من إفضائه إلى العدم، ولا شك أن إفضاء الإذن في الترك إلى العدم أكثر من إفضائه إلى الوجود.
ولا شك أن الذي يكون أكثر إفضاء إلى الشيء الراجح، راجح في الظن على ما يكون أكثر إفضاء إلى المرجوح، فإذن شرعية المنع من الترك، راجح في الظن على شرعية الإذن في الترك.
والراجح في الظن واجب العمل به، بالنص والمعقول.
أما النص: فقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا أقضى بالظاهر).
وأما المعقول: فمن وجهين:
الأول: أن أحد النقيضين: إذا كان راجحا على الآخر في الظن، فلم يعمل بالراجح، لوجب العمل بالمرجوح فيكون ذلك ترجيحا للمرجوح على الراجح، وإنه غير جائز بالضرورة.
الثاني: أنه وجب العمل بالفتوى، والشهادة، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات، وتعيين القبلة، عند حصول الظن.
وإنما وجب العمل به، ترجيحا للراجح على المرجوح وذلك المعنى حاصل هاهنا، فوجب العمل به.
الدليل الخامس عشر: الوجوب: ينبغي أن تكون له صيغة مفردة في اللغة، وتلك الصيغة هي (أفعل) فوجب أن تكون (افعل) للوجوب.
إنما قلنا: إن الوجوب له صيغة مفردة في اللغة، لأن الوجوب معنى تشتد الحاجة إلى التعبير عنه، والناس قادرون على الوضع، والمانع زائل ظاهرًا،