وإذا ثبت هذا، فنقول: وجب ألا يرد الإذن بالترك، لأن الإذن في تفويت المصلحة الراجحة إذن في تفويت المصلحة الخالصة، لأنه إن وجدت مفسدة مرجوحة، فتصير هي معارضة بما يعادلها من المصلحة، فيبقى الزائد من المصلحة مصلحة خالصة.
وإن لم يوجد مفسدة أصلًا، كانت المصلحة خالصة، فيكون الإذن في تفويته إذنا في تفويت المصلحة الخالصة عن شوائب المفسدة، وذلك غير جائز عرفا، فوجب ألا يجوز شرعاً، لقوله عليه الصلاة والسلام:(ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح)، فمقتضى هذه الدلالة ألا يوجد شيء من المندوبات ألبتة ترك العمل به حق البعض، تخفيفا من الله تعالى على العباة، فوجب أن يبقى أن يبقى الباقي على حكم الأصل.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بوجه آخر، وهو: أنه كما أن الإذن في تفويت المصلحة الخالصة قبيح عرفا، فكذا إلزام المكلف استيفاء المصلحة، بحيث لو لم يستوفيها، لاستحق العقاب قبيح أيضًا، لأنه يصير حاصل الأمر: أن يقول الشرع: (استوف هذه المنافع لنفسك، وإلا عاقبتك) وهذا قبيح.
والجواب: ماذكرتموه قائم في كل تكاليف، فلو كان ذلك معتبرا، لما ثبت شيء من التكاليف.
الدليل الرابع عشر: لا شك أن الأمر يدل على رجحان طرف الوجود على طرف العدم، فنقول: هذا الرجحان لا ينفك عن قيدين: