الأمرين، على سبيل الإبهام، فلا بد من لفظ، ولا لفظ له إلا هذا، فوجب كونه موضوعا لهما بالاشتراك.
وثانيهما: أن الوجوب: معنى تشتد الحاجة إلي التعبير عنه، فلو كانت صيغة (افعل) موضوعة له، لوجب أن يعرف ذلك كل أحد، ولو عرفه كل أحد، لزال الخلاف، فلما لم يزل، علمنا أنه غير موضوع له سلمنا أنه لا بد من لفظ، وأن ذلك اللفظ هو:(افعل) فلم لا يجوز أن يكون موضوعا للندب أيضًا بالاشتراك؟
ثم نقول: الدليل الذي ذكرتموه يقتضي إثبات اللغة بالقياس، وهو غير جائز.
والجواب: قوله: لا نسلم شدة الحاجة إلى التعبير عن معنى الوجوب، قلنا: الدليل عليه أن الإنسان الواحد لا يستقل بإصلاح كل ما يحتاج إليه، بل لا بد من الجمع العظيم، حتي يتعين كل واحد منهم صاحبه في مهامه، لتنتظم مصلحة الكل، وإذا احتاج الإنسان إلى فعل يفعله الغير، لا محالة، وأن ذلك الغير لا يعلم منه ذلك إلا إذا عرفه، فحينئذ يحتاج إلى أن يعرفه أنه لا بد وأن يأتي بذلك الفعل، وأنه لا يجوز له الإخلال به، فثبت أن هذا المعنى، مما تشتد الحاجة إلى تعريفه.
قوله:(هب أنه لا بد من تعريفه، فلم قلت: إن ذلك التعريف لا يحصل إلا باللفظ).
قلنا:(هب أنه لا بد من تعريفه، فلم قلت: إن ذلك التعريف لا يحصل إلا باللفظ؟)
قلنا: لأنهم إنما اتخذوا العبارات معرفات لما في الضمائر دون غيرها، لأجل أن الإتيان بالعابرات أسهل من الإتيان بغيرها، وهذا المعنى قائم في مسألتنا فوجب القول به.