يكون للمصلحة الراجحة، وكذلك النهي كما يكون للمفسدة الخالصة يكون للمفسدة الراجحة، ونفي بالخالص ما ليس له معارضا مطلقا من ضده، وبالراجح ما له معارض مرجوح، كما قال الله تعالى في الخمر والميسر:(وإثمهما أكبر من نفعهما)[البقرة:٢١٩]، فأشار إلى أن مفسدتهما راجحة لا خالصة، وغالب الواقع في الشرائع المصالح، والمفاسد الراجحة دون الخالصة، فعلى هذا بقيت الخالصة لم يذكرها، فلم يكن التقسيم حاصرا.
قوله:(إن كان خاليا عن المصلحة كان مفسدة صرفة، فلا يجوز الأمر به).
قلنا: عليه سؤالان:
الأول: لا نسلم أنه يلزم من الخلو عن المصلحة حصول المفسدة لجواز الخلو عنهما، وهو أحد أسباب الإباحة (الخلو عنهما)، والسبب الآخر لمساواتهما فيه وتفاوتهما.
الثاني: لا نسلم أنه لا يجوز ورود الأمر بمثل هذا وامتناع، وإنما يتجه على الحسن والقبح العقليين، وذلك مذهب المعتزلج، ولا يقولون به، فلا يتجه أن نقول: لا يجوز ورود الأمر به، فإن قلت: أوجه المقدمة بطريق آخر فأقول: الظاهر أن واضع هذه اللغة حكيم لأجل ما وجد فيها من الأسرار البديهية، والمقاصد الجليلة، وإذا كان حكيما فلا يضع (الأمر) إلا لطلب ما فيخ مصلحة خالصة، أو راجحة.
أما الماوي والخالي عنهما فلا، وبحثنا في هذه المقدمة إنما هو في أن المأمور راجح المصلحة فقط لا أنه واجب، وقد حصل الغرض بهذا.
قلت: سلمنا أن الواضع حكيم، وأنه ما وضع الأمر إلا لراجح المصلحة،