أو الخالص، لكن لا يفيدك ذلك في أن كل شيء استعمل فيه صيغة الأمر فهو كذلك، لأن المستعمل قد يوافق الواضع، وقد لا يوافقه، كما تقدم في أنه قد يستعمل اللفظ الموضوع كذبا ومجازا، وكلاهما خلاف الوضع فكون المزمور راجحا في نفسه إنما يعلم من دليل خارج، لا من نفس الأمر.
فإن قلت: الأصل في الاستعمال الحقيقة وألا يستعمل اللفظ إلا فيما وضع له، فيغلب على الظن عدم المجاز.
قلت: لا نسلم أن وضع الاستعمال في غير الراجح لمصلحة [راجحة] أو خالصة، يكون مجازا، بل ذلك كما تقول:(ليت) وضع لتمني ما فيه مصلحة، ولو قال الإنسان: ليت لي مفسدة كان ذلك حقيقة فإنه تمنّ، واستعمل (ليت) في موضوعه وهو التمني، وإن كان لا مصلحة هنالك، ولذلك وضعت العرب في لغتها أن المقدم في الذّكر يكون أشرف، فإن قدم آخر في لفظه الخسيس على الشريف لم يكن ذلك مجازا.
وكذلك التخيير وضعته العرب ليكون المتساويين، فلو خيّر واحد بين المختلفات لا يقال: لفظه مجاز، فلو قال قائل قائل لعبده:(خيرتك بين الصلاة والفجور، أو إن شئت فصل أو فافجر) لا يقول أحد: إن هذا مجاز فكذلك هاهنا لو قالت العرب: لا تطلب لا مصلحة، فطلب هو ضدها، صدق عليه أنه طالب، وأن الحفظ حقيقة كسائر النظائر المذكورة، وإنما يكون اللفظ مجازا أن لو وضعت العرب الأمر اسما للمصلحة، فاستعمل في غير مصلحة كان مجازا، كلفظ المصلحة إذا أطلق على المفسدة كان مجازا، ولكن هاهنا ما وضعته للمصلحة، بل للطلب، وقالت: لا تطلبوا إلا مافيه مصلحة، فهذا شيء أمرت به المتكلم، ولم يكن مسمى الصيغة كما قالت العرب:(لا) للنفي، ولا تنفوا إلا المنفي، فإذا قالت الذي عليه الدين:
(ما لصاحبي علىّ شيء) فهو كاذب، فلفظه حقيقة، ولم يوافق مقصود.