السلام إنما بعث مشرعا، وإذا تقرر هذا نقول: إن حملنا لفظ (عند) على العلم أي لعلمه قبيحا، كما هو عندهم، وهذا معلوم بالفعل وحكم عقلي فلا يفيد لفظه عليه السلام حكما شرعيا، وإن حكمه أفاد حكمها شرعيا لا عقليا، فكان أولى، وبهذا يتم الاستدلال لهم.
الثالث فيه أيضا: فإن قوله: (المسلمون) صيغة عموم، فإن جعلناها كليه لزم أن يكون كل ما رآه كل واحد من المسلمين يكون عند الله كذلك، والواحد في نفسه ليس عرفا، ولا قائل به، فيتعين معنى الحديث: ما أجمع المسلمون عليه فهو حكم الله تعالى في الحسن والقبح، ونحن نقول به، وإنما النزاع في الفوائد من غير إجماع.
الرابع: أن هذا الإستدلال على أن الأوامر في الشرع للوجوب، وهو موضع النزاع، فإن مسائل أصول الفقه إنما يقصد فيها لسان اللغة، وأما بيان الشرع فهو لنا على ما يتقرر في اللغة، بقوله تعالى:(وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا)[طه:١١٣]
قوله:(ذلك لازم في جميع التكاليف)
تقريره أن التكاليف وجميع الشرائع إنما في مصالح العباد، فإذا قلتم: إن إلزام الشارع العبد استفاء مصلحته قبيح لا يلزم ألا يثبت واجب الشريعة ألبتة.
هذا غير لازم، فإن الشرع ما حتم على العباد استيفاء مصالحهم أي مصلحة كانت، بل المصالح التي في المرتبة العليا، بخلف مصالح المندوبات، والأصل فيها أن تكون دونها في المرتبة، وأنتم ادعيتهم مطلق المصلحة الخالصة، وهذا لم يوجد في الشرع مثله.