الثاني: في قوله عليه السلام: (ما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح) فإن هذا الحديث كثر الاستدلال به من الخلافيين والأصوليين.
وعليه سؤال قوي وهو: أنا إذا قلنا: ما رآه زيد قبيحا فهو عند عمرو قبيح، يفهم منه أن ذلك الفعل، فعسر على أوضاعه وقيوده وتخصصاته، وجميع أحواله حتى لو كان الذي رآه زيد قبيحا وهو لبس الفراء في الصيف لكان اللازم في هذه العبارة أن عمرًا رآه قبيحا في الصيف في ذلك الزمان على ذلك الوضع الذي رآه زيد، وعلى هذا التقدير يقول أهل العرف: إنما رآه قبيحا في الصيف في ذلك الزمان على ذلك الوضع الذي رآه زيد.
وعلى هذا التقدير يقول أهل العرف: إنما رآه قبيحا في أمر دنياهم لا في أمر أخراهم، فإن أمر الآخرة راجع لصاحب الشرع لا لأهل العرف، فيكون عند الله تعالى قبيحا في أمر الدنيا توفية بالصيغة، فلا يحصل مقصود المستدل من الحديث، لزن مقصودهم: ما رآه أهل العرف قبيحا في دنياهم فهو عند الله قبيح في شرعه.
وفسد أنه ما إذا قلنا: ما راه زيد من لباس الفراء في الصيف قبيحا، فهو عند عمرو قبيح في الشتاء، فذلك لا يقول أحد: إنه مفهوم اللفظ، فتأمل ذلك.
وإنما يندفع هذا السؤال بطريق: وهو أن لفظ (عند) يطلق على محامل كثيرة منها (الحكم الشرعي) كقوله تعالى: (فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هو اكلاذبون)[النور:١٣]، أي في حكم الله عند القضاة وولاة الأمور، وإلا فقد لا يأتون بالشهداء، وهو في علم الله صادقون، فلا يمكن تفسير (العندية) إلا بالحكم الشرعي.
ولنا قاعدة: وهي أن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دار بين أن يكون مفيدا فائدة عقلية أو شرعية، فحمله علي الشريعة أولى لأنه عليه