قلنا: لا نسلم أنه مركب من العقل والنقل، بل هذا نقل صرف، ونصب العقل تفطنة لاندراج الأوسط تحت الأصغر حتى يثبت له الأكثر الثابت بالأوسط، والتفطن ليس مقدمة لأخرى غير المقدمتين الصغرى والكبرى، وإلا لكان كل قياس ثلاث مقدمات، لأنه لا بد في كل قياس من التفطن، وإنما يكون الدليل مركبا من العقل والنقل إذا كانت إحدى مقدماته عقلية، وهاهنا ليس كذلك، بل [الجميع نقلي]، وتحرير هذا السؤآل يتوقف على تفسير الدليل السمعي ماهو؟
فإن فسرناه بما هو مراد الشارع باللفظ الصادر عنه لم يكن هذا الدليل سمعيا، لأن الشارع لم يرد بكلمة من هذه الكلمات أن الأمر للوجوب.
وإن فسر بما هو دليل اللفظ مطابقة لن يكون هذا الدليل سمعيا أيضا، لأنه ليس فيه لفظ يدل على أن الأمر للوجوب، وإن فسر بما يدل التزاماً بلفظ مفرد فكذلك.
وإن فسر بما يدل كيف بهذا الدليل سمعيا، لأن مجموع اللفظين يدل بالالتزام على أن الأمر للوجوب لا يكون للعقل فيه مدخل على هذا التقدير.
ومما يعضد القسم القسم الأول صحة قولنا: إن الشرع لم يرد ببيع [الخور والخنزير وسيلة المحرمات، وإن كان قوله عز وجل:(وأحل الله البيع وحرم الربا)[البقرة:٢٧٥] يدل عليه، فإنه لا يلزم من التخصيص نفي الدلالة:(فلا تقل لهما أف)[الإسراء:٢٣] وإن لم يدل التزاما، ونظائره كثيرة، سلمنا أنه مركب من العقل والنقل، لكنا بينا أنه لا ينتج، لأن كبراه جزئية، ومن شرط الشكل الأول أن تكون كبراه كلية.