أصول الفقه يحصل بها العلم لمن كثر اطلاعه، واشتد بحثه عن موارد الشريعة وأقضية الصحابة رضوان الله عليهم، ومناظراتهم، وفتاويهم وغير ذلك.
ومعلوم أن هذا الحديث من الاطلاع لا يحصل لكل واحد، بل ولا لأكثر الناس، وإنما يحصل للأفراد القليلة، ولا يقول أحد: إن أصول الفقه يكون معلوما لكل أحد، بل ولا مظنونا، بل ولا مشعورا به، بل الغالب على الناس الجهالات، والإعراض عن العلوم، بل عن الشرائع اللازمة.
قوله:(أهل اللغة قالوا: لا فرق بين الأمر والسؤال إلا في المرتبة)
قلنا: بعض الناس قال ذلك، ولا نسلم أن قوله حجة
ويدلك على ذلك: أن الرتبة لم يقل بها الأكثرون، فكيف يدعونها فرقا، وأصحابنا كلهم على عدم اعتبارها.
قوله:(وذكر الأمر للوجوب، والندب، والاشتراك، والمجاز خلاف الأصل).
قلنا: المجاز لا زم كل تقدير، فإنه إن جعل حقيقة في (الوجوب) كان ورورده في الندب مجازا، وإن كان حقيقة في القدر المشترك كما قال الخصم، كان استعماله في الوجوب مجازا، لأن استعمال لفظ الأعم في الأخص مجازا اتفاقا، لأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له، فلما كان المجاز لا زما على كل تقدير، كان الترجيح معنا، لأن اللفظ يكون أكثر فائدة، لإفادته خصوص الوجوب مع مطلق الرجحان، ويكون موضوعا لأهم المطالب، ويكون أحوط للذمة والعرض.
قولهم:(لم لا يجوز أن يعلم بدليل مركب العقل والنقل؟: كقولنا تارك المأمور به عاص، والعاصي يستحق العقاب، فتارك المأمور به يستحق العقاب)