وأما قوله ثالثا:(إما أن يجب فعل العزم في الوقت الثاني أو لا يجب)
قلنا لم لا يجوز أن يجب؟ وذلك لأن العزم بدل عن الفعل في الوقت الأول؛ فيفتقر إلى عزم ثان؛ بدلا عن الفعل في الوقت الثاني.
واعلم أن هذا الجواب ضعيف؛ لأنا بينا أن الأمر لا يقتضي الفعل إلا مرة واحدة؛ وإذا كان كذلك، وجب أن يكون الإتيان بالعزم الواحد كافيا
فظهر بما ذكرناه أن القول بالواجب الموسع حق، وأنه لا حاجة في إثباته إلى إثبات بدل هو العزم، والله أعلم
فرع: في خكم الواجب الموسع في جميع العمر، وذلك كالمنذورات، وقضاء العبادات الفائتة، وتأخير الحج من سنة إلى سنة، فنقول:
إن جوزنا له التأخير أبدا، وحكمنا بأنه لا يعصي، إذا مات، لم يتحقق معنى الوجوب أصلا.
وإن قلنا: إنه يتضيق التكليف عليه عند الإنتهاء إلى زمان معين، من غير أن يوجد على تعيين ذلك الزمان دليل، فهو تكليف ما لا يطاق؛ فإنه إذا قيل له: إن كان في علم الله تعالى أنك تموت قبل الفعل، فأنت في الحال عاص بالتأخير.
وإن كان في علمه أنك لا تموت قبل الفعل، فلك التأخير، فهو يقول: وما يدريني، ماذا في علم الله تعالى؟ وما فتواكم في حق الجاهل؟ فلا بد من الجزم بالتحليل أو التحريم؛ فلم يبق إلا أن نقول: يجوز له التأخير بشرط أن يغلب على ظنه أنه يبقى بعد ذلك سواء بقي أو لم يبق.
فأما إذا غلب على ظنه أنه لا يبقى بعد ذلك، عصى بالتزخير، سواء مات أو لم يمت، لأنه مأخوذ بموجب ظنه.