قوله:"إن أمكن أن يوجد مع الطلب الجازم الإذن في الترك، فإن كان الأول لزم أن يكون آذناً في الترك وطالبا ً، فيجتمع النقيضان".
قلنا: لانسلم أنه يلزم من إمكان الشيء وقوعه، وإجتماع النقيضين إنما جاء من الوقوع لا من الإمكان، ألا ترى أن كل واحد من النقيضين والضدين ممكن حالة وجود الآخر، ومالزم إجتماع النقيضين؛ لأنه لايلزم من الإمكان الوقوع.
قوله:"وإن كان الثاني لزم أن يكون الإذن في الترك ممتنعاً، ولا معنى لقولنا: الأمر بالشيء نهي عن ضده إلا هذا".
قلنا: لايلزم من الإمتناع في فعل الضد النهي عنه؛ لأن الطالب للعشرة يمتنع مع مطلوبه الذي هو العشرة أن يكون فرداً، ولا يمكن أن يقال: الفردية منهي عنها؛ لأن المستحيل لاينهى عنه؛ لأن من شرط التكليف تيسير الأسباب، فإن أردتم مطلق الدلالة - كما تقدم - فلا يلزم النهي، ويكون مطلوبكم في هذه المسألة خلاف مطلوب الأصحاب، ثم إنكم هاهنا صرحتم بالضد وعدلتم عن ذكر النقيض، وهذا هو الصواب الذي قاله الأصحاب.
قوله:"طلب المحال جائز".
قلنا بحثنا في هذه المسألة إنما هو الوضع اللغوي، والألفاظ اللغوية لم توضع لطلب المحال، بل إنما وضعت لما ييسر عادة؛ لأنه مقصود الناس، وإذا قلنا بجواز تكليف مالا يطاق فإنما ذلك في حق الله تعالى بالنظر ماتستحقه الربوبية، أما وضع اللفظ اللغوي فلم يقل أحد: إن الأمر وضع لطلب المحال، وكذلك أنتم تقولون: متعلق النهي فعل ضد المنهي عنه لا نفس (لا تفعل) على ما سيأتي تقريره في النواهي إن شاء الله تعالى، فجعلوا لفظ النهي إنما وضع للممكن دون المستحيل.