وإنما قلنا: إنه لما كان كذلك، كانت التكاليف بأسرها تكليف ما لا يطاق؛ لأنه لما لم يكن العبد متمكنًا من الفعل والترك البتة، كان تكليفه تكليفًا لمن لم يكن متمكنًا من الفعل والترك؛ وذلك هو المقصود.
الدليل الخامس: التكليف: إما أن يتوجه على المكلف حال استواء الداعي إلى الفعل والترك، أو حال رجحان أحد الداعيين على الآخر:
فإن توجه عليه حال الاستواء، كان ذلك تكليفًا بما لا يطاق؛ لأن حال حصول الاستواء يمتنع حصول الرجحان؛ لأن الاستواء ينافي الرجحان؛ فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين.
وإذا امتنع الرجحان، كان التكليف بالرجحان تكليفًا بما لا يطاق، وإن توجه عليه حال عدم الاستواء، فنقول: الراجح يصير واجبًا، والمرجوح ممتنعًا؛ على ما تقدم تقريره في الدليل الرابع.
والتكليف بالواجب محال؛ لأن ما يجب وقوعه استحال أن يسند وقوعه إلى شيء آخر، وإذا استحال ان يسند وقوعه إلى غيره، استحال أن يفعله فاعل، فإذا أمر بفعله، فقد أمر بما لا قدرة له عليه.
وأما التكليف بالممتنع، فلا شبهة في أنه تكليف بما لا يطاق.
الدليل السادس: أفعال العبد مخلوقة لله تعالى، وإذا كان كذلك، كان التكليف تكليف ما لا يطاق.
أما أن فعل العبد مخلوق لله تعالى؛ فلأنه لو كان مخلوقًا للعبد، لكان معلومًا للعبد، وليس معلومًا للعبد، فهو غير مخلوق له، وتقريره في كتبنا الكلامية.