للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أنه إذا كان فعل العبد مخلوقًا لله تعالى، كان التكليف تكليفًا بما لا يطاق؛ فلأن العبد قبل أن خلق الله تعالى فيه الفعل، استحال منه تحصيل الفعل، وإذا خلق الله تعالى فيه الفعل، استحال منه الامتناع والدفع؛ ففي كلتا الحالتين لا قدرة له على الفعل، ولا على الترك.

فإن قلت: هب أنه لا قدرة له على الإيجاد، ولكن الله تعالى أجرى عادته بأنه إذا اختار العبد وجود الفعل، فالله تعالى يخلقه، وإن اختار عدم الفعل، فالله تعالى لا يخلقه، وعلى هذا الوجه يكون العبد مختارًا.

قلت: ذلك الاختيار: إن كان منه لا من الله تعالى، فالعبد موجد لذلك الاختيار، وإن لم يكن منه، بل من الله تعالى، كان مضطرًا إلى ذلك الاختيار؛ فيعود الكلام.

الدليل السابع: الأمر قد وجد قبل الفعل، والقدرة غير موجودة قبل الفعل، فالأمر قد وجد لا عند القدرة، وذلك تكليف ما لا يطاق.

أما أن الأمر قد وجد قبل الفعل؛ فلأن الكافر مكلف بالإيمان.

وأما أن القدرة غير موجودة قبل الفعل؛ فلأن القدرة صفة متعلقة، فلا بد لها من متعلق، والمتعلق: إما الموجود، وإما المعدوم، ومحال أن يكون المعدوم متعلق القدرة؛ لأن العدم نفي محض مستمر، والنفي المحض يستحيل أن يكون مقدورًا، والمستمر يمتنع أيضًا أن يكون مقدورًا؛ فالنفي المستمر أولى ألا يكون مقدورًا.

وإذا ثبت أن متعلق القدرة لا يمكن أن يكون عدمًا محضًا، ثبت أنه لا بد أن يكون موجودًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>