وثانيهما: قوله تعالى {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}[البقرة: ٦] ولا مستند فيهما:
أما الأول: فلأن " التب " هو الخسران، وقد يخسر الإنسان، ويدخل النار وهو مؤمن بسبب معاصيه، فلا ينافي الآية الإيمان، أما الآية الأخرى فقد دخلها التخصيص اتفاقاً، وآمن بعض من كان قد كفر قبل نزول هذه الآية، فإن قلنا: العام المخصوص ليس حجة، فلا كلام.
وإن قلنا: هو حجة فأبو لهب يجوز أن تكون الآية مخصوصة به أيضاً، وإنما الظاهر يتناوله، والوعيد القاطع لحثه على الإيمان، وإذا اجتمع الظاهر والقاطع قدم القاطع، فيؤمن ضرورة.
سلمنا دليلكم، لكن هذه مقدمات نظرية يجوز خلو ذهن أبي لهب عنها، فلا يكون ذلك مانعاً له من الإيمان عادة.
قوله:" صار مكلفاً بأن يؤمن، بأنه لا يؤمن ".
قلنا: لا نسلم أنه مكلف بأن يؤمن، بأنه لا يؤمن، وإنما يلزم ذلك أن لو كلف بجعل الخبر صادقا ً، وفرق بين التكليف بالتصديق، وبين جعل الخبر صادقا ً، فإن جعل الخبر صادقاً هو وقوع المخبر عنه، وذلك غير لازم في التكليف بالتصديق، ألا ترى إذا أخبرك أحد أن زيداً سيدخل الدار فإنك تصدق الآن بذلك، وتخرج عن العهدة، وأما أنك مكلف بأن يدخل زيد الدار حتى يصير الخبر صادقا حتى يسعى في عدم إيمانه، إنما هو يصدق الخبر فقط.
وكذلك نقول في جميع الكفار الذين لم يؤمنوا: إنهم أخبر الله تعالى عنهم بأنهم لا يؤمنون وكلفوا بتصديق ذلك الخبر، ومع ذلك لم يقل