مخاطبين بالتحريم كانت معاملاتهم فيما أخذوه على خلاف القواعد الشرعية أخف من معاملة المسلم؛ لأنه عاص بذلك العقد، وقد نهاه الله تعالى عنه، ولم ينه الكافر؛ ولأنه إذا أسلم أقر على ما بيده من الرهون والغصوب، بخلاف المسلم إذا تاب.
إذا قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع، فلا استحسان في معاملاتهم من جهة أن كلا الفريقين تعاطى العقود المحرمة، ولم يبق الحق إلا من جهة أن الإسلام يقر لهم الغصوب، والربا، وثمن الخمور وغيرها.
وثامنها: أن عقد الجزية يكون من جملة آثاره ترك الإنكار للفروع؛ فإنه سبب شرع، كذلك إن قلنا: إنهم مخاطبون، وإلا فلا يكون شرع سببا إلا لترك إنكار الكفر خاصة.
وتاسعها: أن العلماء اختلفوا في الكافر إذا طلق، أو اعتق وبقيا عنده حتى يسلم هل يلزمه ذلك أم لا؟
فإذا قلنا: إنهم ليسوا مخاطبين أمكن تخريج عدم اللزوم على ذلك؛ فإن من جملة الفروع نصب الأسباب، والعتاق والطلاق سببان إذا لم ينصبا في حقهم لم يلزمهم أثرهما.
وعاشرها: الأوقاف، والهبات، والصدقات إذا باعوها بعد صدور أسبابها إذا قلنا: ليسوا مخاطبين لا نمنعهم من ذلك وهو مذهب مالك، وإن كنت لا أعلم خلافا في البياعات، وعقود المعاوضات أنهم يلزمون بها، والفرق - والله أعلم - عند العلماء أن معنى المظالم فيها أظهر تحققا، بخلاف عقود المعاوضة، وإن كان المدرك عدم تأهلهم للخطاب بتسببهم بكفرهم ما يبعدهم كما ابعدت الحائض عن الصلاة والصوم؛ لأنها قام بها ما يبعدها عن هذه الدرجة الشريفة التي هي التشريف بالتكليف، ولا ترد هذه الأسئلة، غير أن مقتضى مباحث العلماء هو الأول.
قوله:" أثر ذلك إنما يظهر في زيادة العذاب في الدار الآخرة ".