فقال الأمر أيضا وجب إذا دل على طلب الفعل ألا يدل على شيء آخر، وهو براءة الذمة، بجامع أن أحدههما ضد الآخر.
والعرب تحمل الشيء على ضده، كما تحمله على مثله، كما حملت (لا) النافية في العمل في الاسم المضاف، ونصبت بها كما تنصب بـ (إن) المؤكدة، وهي ضدها؛ لأن هذه للإثبات، وهذه للنفي، وحملت (الغدايا) على (العشايا) في الجمع، و (غدوة) لا تجمع على (فعالى)، وحملت (حدث) على (قدم) إذا اجتمعا، فضموا الدال من (حدث) وهي مفتوحة؛ أو لأنهما مشتقان من مصدر واحد.
والأصل في اتحاد الأصل اتحاد الفرع، إلا ما أجمعنا على الخلاف فيه.
ويرد عليه: أنا نمنع إيجاد مدلول النهي، بل يدل على الفساد.
قوله:" الأمر بالشيء لا يفيد إلا كونه مأمورا ".
قلنا: هذا مصادرة على مذهب الخصم، بل يدل على أمر آخر وهو الإجزاء.
قوله:" المنهي عنه لا يمتنع أن يكون سببا للحكم ".
تقريره: أن السبب الشرعي ليس من شرطه أن يكون مأذونا في مباشرته، وقد يكون محرما كالسرقة سبب للقطع، وسقوط العدالة، والزنا سبب للرجم، والحرابة سبب للصلب والقتل، فجاز أن ينهى إنسان عن فعل، وإذا فعل جعله سببا لأحكام أخرى، ومتى كانت له آثار لا يكون دالا على الفساد، وقد رتب الشارع على إفساد الحج وجوب الإتمام، وكذلك على فساد الصوم وجوب الإمساك، فلا تناقض بين التحريم، وترتيب أحكامه عليه إذا وقع.
أما المأمور به إذا بقيت بعده الذمة غير بريئة لا يكون أتى بجميع ما أمر به، فيلزم التناقض وعليه ما علمت