تعالى العادة أن يخلق الفعل فيها، فلا يشترط فيها العلم؛ لأن الفاعل من يقال له في اللغة:(فاعل)، وإن كان غير ناطق، ولا من ذوي الفكرة، كما يفعل النحل الأبيات المسدسة في الصنعة الغريبة في الهندسة مع أنها لاتوصف بالعلم فضلا عن العلم بهذه الهندسة الدقيقة، وكذلك عجائب تظهر من الحيوانات، والعبد المأمور لا يطلب منه اختيار الوجود، بل الكسب العادي، نعم ينبغي أن يقال: إن العبادات المفتقرة للنيات تتوقف على العلم؛ لأن ما لا شعور به يستحيل قصده، وأما ما لا تكون النية شرطا فيه كرد الغصوب، والودائع، ودفع الديون والنفقات فلا.
قوله:" حكم الشيء حكم مثله، فإذا وقع الفعل من الفاعل مرة وقع مرارا؛ لأن كل مرة مساوية لتلك المرة الواحدة التي وقعت ".
قلنا: حكم الشيء حكم مثله في العقليات، أما في العاديات فقد تقضي العادة بأن الشيء لا يقع إلا نادرا كالغيم الرطب في الشتاء في البلاد الشمالية عدم إمطاره نادرا، فلو صح ما قلتموه لم تمطر أبدا، ولم ير الماء أبدا؛ لأنه قد لا يروى على الندرة، ولا تحرق النار أبدا، فقد عدم إحراقها في حق الخليل عليه السلام ونظائره كثيرة.
فعلمنا حينئذ أن ذلك إنما هو في العقليات، أما في العاديات فلا.
سلمنا وقوع الإتفاقي من الإنسان دائما، لكن لا نسلم أن التكليف بذلك الواقع منه تكليف بما لا يطاق.
بيانه: وذلك أنه لا يلزم من كون الشيء واقعا أن يكون مكتسبا مقدورا؛ فإن النازل وقد رمي من شاهق، النزول واقع منه، وليس مكتسبا، بل لو كلف بالنزول كان غير مكتسب؛ لأن من شرط المكتسب أن يكون للفاعل فيه اختيار في جلبه ودفعه، والنازل لا يقدر على دفع النزول عنه، كذلك الفعل الاتفاقي لا إرادة فيه، فهو غير مكتسب، فالتكليف به تكليف بما لا يطاق؛