فالجزئيتان أيضا لا تتناقضان؛ فإن قولنا:" بعض العدد زوج، بعض العدد ليس بزوج " صادقتان، والنقيضان لا يجتمعان، ولا يرتفعان؛ فتعين أن الذي يناقض الكلية إنما هو الجزئية، إذا اختلفتا في السلب والإيجاب، والشروط الثانية المذكورة في علم المنطق.
إذا تقرر هذا، فقولنا:" جاءني كل فقيه " موجبة كلية، و " ما جاءني كل فقيه " جزئية سالبة؛ لأن سلب الكلية يكفي فيهما السالبة الجزئية، فمن قال:" كل حيوان إنسان " وأردت تكذيبه في الكلية، قلت له:" ليس كل حيوان إنسانا " وأنت لا تريد السالبة الكلية، بل الجزئية، فعلمنا أن قولنا:" ليس كل حيوان " إنسانا سالبة جزئية، كذلك " ما جاءني كل فقيه " سالبة جزئية.
فإذا ثبت التناقض بين قولنا:" جاءني كل فقيه " و " ما جاءني كل فقيه " والثانية سالبة جزئية، لزم أن تكون الأولى موجبة كلية، وهذا هو العموم.
وإذا تقرر ذلك في العرف، وجب أن يكون ذلك في اللغة كذلك؛ لأن الأصل عدم النقل والتغير.
ويرد عليه:" إن جاءني كل فقيه " فعند الخصم مطلق لا عام، والمطلق، إذا دخل عليه حرف النفي، صار سالبة كلية، فتناقض " جاءني كل فقيه "؛ لأنه عنده موجبة جزئية، فتحقق التناقض، ولكن يعكس مقصود المصنف، فيتلخص للسائل القول في الوجوب؛ فسلم التناقض، ولا يثبت الإيجاب الكلي الذي قصده المستدل، بل بالإيجاب الجزئي؛ وهو الإطلاق.
قوله:" صيغة الكل مقابلة لصيغة البعض، ولولا أن صيغة الكل غير محتمله للبعض لما كانت مقابلة لها " عبارة غير متجهة، فإن الكلية مستلزمة للجزئية؛ بالضرورة، ولفظها دال عليها؛ إجماعا، فكيف ينفى عنها