لغة، ولا شريعة، إلا وللعقل فيها مجال؛ لأنه لو فقد العقل، لم يحصل علم بشريعة، ولا لغة، ولا شيء من أمور الدنيا، ولا من أمور الآخرة؛ فظهر أن قوله:" لا مجال للعقل " يريد به: على وجه الاستقلال.
قوله:" والنقل: إما تواتر أو آحاد ".
قلنا: القسمة غير منحصرة؛ لأن التواتر هو إخبار جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، والآحاد هو ما أفاد ظنا أخبر به واحد أو عدد.
بقى قسم آخر؛ وهو إخبار الواحد، إذا احتفت به قرائن؛ حتى أفاد العلم، فليس بتواتر؛ لاشتراطنا العدد في التواتر، وليس آحادا؛ لإفادته العلم، فهو قسم ثالث.
قوله:" والتواتر باطل، وإلا يعرفه الكل ".
قلنا: هذه الملازمة غير صحيحة؛ لأن التواتر ليس من شرطه الشمول؛ فقد يتواتر سقوط المؤذن من منار الجامع عند أهل الجامع، وبقية أهل المدينة لا شعور لهم بذلك، وكم من قضية تتواتر في إقليم لا يعلم بها أهل الإقليم الآخر.
قوله:" لابد أن يثبتوا بدليل قاطع: أنهم ما استعملوا صيغ العموم في الخصوص حقيقة ".
قلنا: لا يحتاج إلى الدليل القاطع؛ فإن هذه المسائل، وغن كانت قطعية، فنحن نستدل فيها بالمقدمات الظنية، ويكون المجموع من استدلالنا والاستقراء التام يفيد اليقين بهذه المسائل؛ فلا تناقض بين كونها قطعية، ومحاولة المقدمات الظنية فيها ليس في الوسع، وضع ذلك الاستقراء التام المحصل للعلم في بطون الكتب، بل إنما نضع ما نثبته على أصل الاستقراء، والمدارك على الطالب، وعلى الطالب تكميل الاستقراء المفيد للعلم.