وثانيهما: سلمنا قبولها للتأكيد؛ لكن لا نسلم أن قوله تعالى:{تلك عشرة كاملة}[البقرة: ١٩٦] تأكيد؛ لأن معناه (كاملة الأجر) لما يتخيل أن تأخير السبعة إلى غير الأيام التي فسدت فيها العبادة، أو وجد سبب الصوم فيها، أو عن المواضع المفضلة يوجب التنقيص فيها؛ فقال الله:{تلك عشرة كاملة}[البقرة: ١٩٦] أي: في الثواب، فلا تأكيد، بل هي لمعنى جديد.
قوله:" التأكيد يقويه ما كان حاصلا، فلو كان الاشتراك هو الحاصل، لقوى الاشتراك ".
قلنا: التأكيد يقويه ما كان حاصلا، من غير اعتقاد السامع في مراد المتكلم من اللفظ من المسميات، والاشتراك ليس من المسميات، ولا يخطر للسامع أن المتكلم أراده ألبتة؛ لانه لسنة عرضت وقت الوضع، وتحقق ذلك، وبقيت الإرادات تتعاقب على المسميات وعوارضها تقوي الاشتراك وهو كلام حائد عن سنن التأكيد، وموجب اللغة فيه.
قوله:" أسماء العدد صريحة، وقد تطرق الاستثناء إليها ".
قلنا: الاستثناء حيث وقع معارض لدلالة اللفظ المستثنى منه؛ لأنه يبطل بعض مقتضاه، ولا يلزم من تسليم قيام المعارض في صورة تسليم قيامه في صورة أخرى، فالخصم يقول: لا عموم في الصيغة، فلا معارضة بين صيغة العموم والاستثناء، وهو أرجح من مذهبكم المستلزم لحصول المعارضة بينهما.
قوله:" الفرق بين قولنا: " أكرمت كل من في الدار إلا زيدا " وبين " أكرمت زيدا أو عمرا إلا زيدا " أن زيدا في الأول: جزء، وفي الثاني: ليس جزءا ".
تقريره: أن الاستثناء لا يجوز أن يخرج كل ملفوظ، بل لا بد أن يبقى منه، فإذا قال:" أكرمت كل من في الدار إلا زيدا " خرج بعض مدلول (كل) وبقى بعضه.