وإذا قال:" اكرمت زيدا وعمرا " فهو قد نطق بلفظين: لفظ زيد، ولفظ عمرو، وقد أخرج جملة مدلول عمرو، ولم يترك منه شيئا، واستثناء جملة مدلول اللفظ لا يجوز، ويكون ذلك نقضا؛ لأن اللفظ الدال على إكرام عمرو وحده، ليس مدلوله حاصلا، وهو إكرام عمرو؛ لإبطال ذلك بلفظ إلا.
قوله:" شرط إرادة (من) للعموم عدم لفظ البعض، فإذا قال: " بعض من في الدار " لم يكن شرط إرادتها للعموم حاصلا؛ فلا يكون نقضا ".
قلنا: لو صح ما ذكرتموه، لما أمكن أن يكون في العالم شيء معارض لشيء في دلالته ألبتة؛ لأنه يمكننا أن نقول، كما قلتم: شرط إفادة الدليل لذلك عدم معارضة، فغذا وجد المعارض، انتفت دلالته، فليس بدليل في تلك الصورة، والأصل انتفاء الشرط؛ فلا معارضة حينئذ، ومعلوم أن هذا باطل قطعا، والمعارضة حاصلة في أمور لا تعد ولا تحصى؛ فدل ذلك على بطلان هذه النكتة.
قوله:" ذلك ليس جمعا، بل لإشباع الحركة ".
تقريره: أن العرب تقول لمن قال: " جاءني رجل ": منو، و " رأيت رجلا " منا، و " مرتت برجل ": منى؟ فيظهر إعراب كلامك فيما سأل به عن كلامك؛ ليشعرك أنه إنما استفهم عن كلامك، فإن المستفهم قد يكره سماع الكلام جمله؛ فيشتغل بالسؤال عن غيره؛ ليحرص في غير ما سمعه من المتكلم، كما يقول القائل: السلطان يقصد أن يتجسس الليلة، ويخرج في السوق، فتكره أنت أن يخوض في أمر الملوك؛ لئلا يصل إليك بسبب ذلك شر؛ فتقول مستفهما: كيف بيع الدقيق اليوم؟ فلما كان الاستفهام قد يرد لغير الكلام المسموع، أظهرت العرب إعراب كلامها؛ لتشعرك أنها لم