للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان الكلام فى تقرير قاعدة لا يحتج به فى غير تلك القاعدة؛ لأن المتكلم لم يوجه، لتجويز غير ما هو فيه؛ ولذلك قال العلماء: لا يتم أي احتجاج حقيقة بقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) على وجوب الزكاة فى جميع الخضروات؛ لأن الشارع إنما قصد بذلك الكلام الجزء الواجب، لا الواجب فيه، فمتى سيق الكلام فى تحرير معنى، لا يكون حجة فى غيره، كذلك هناك سيق الكلام لترجيح أحد تلك الاحتمالات على غيرها، لا تقرير أنواع التخصيص والمجاز؛ فيحتمل كلامه هناك على التخصيص بقرينة منفصلة، وهو قد سلم هاهنا أنه مجاز، وكذلك نقول: حيث مثل أنه أحد أنواع المجاز؛ لم قلتم: إنه أراد استعمال اللفظ فى الجزء، إذا دلت عليه قرينة متصلة، بل لحمله على ما إذا كان المخصص منفصلاً؛ جمعا بين كلاميه، ولا ضرورة للتناقض؛ لأنه لم يتعين، وأما كونه جعل التخصيص جنساً تحته أنواع: أحدها: الاستثناء، فلا يلزمه أيضاً أن الاستثناء مجاز؛ لأن مطلق التخصيص هو المجعول جنساً، ومطلق التخصيص ليس مجازاً عنده، وإنما المجاز يعرض من المخصص المنفصل الذى هو أخص من مطلق التخصيص؛ فلا يلزم من ثبوت حكم الأخص ثبوته للأعم، بل الأعم عنده قابل لأن يكون مجازاً، وألا يكون كما نقول: الكلام يقبل أن يكون أمرا ً وألا يكون، وإذا قضى على بعض أنواعه بأنه أمر، لا يلزم أن يقضي على مطلق الكلام بأنه أمر، كذلك هاهنا، سلمنا أن هذا الاختيار لا يجتمع مع ذلك، أو أي محذور فى هذا، وذلك أن العلوم ليست تقليدية، ولا يجمد فيها على حالة واحدة طول عمره، إلا جامد العقل، فاتر الذهن، قليل الفكرة، فاتر الفطنة، إلا في الأمور الجليلة جدا؛ فإنها لا تتغير عند العقلاء، وليس هذا منها، بل هذا من محال النظر، وموارد التغير، فهذا الاختلاف مما يدل على وفور علم الإمام وجودة عقله ودينه، أما عقله وعلمه، فإنه دائم أبداً فى النظر والنقل، طالب للأزدياد والتحصيل

<<  <  ج: ص:  >  >>